
أكثر فيلم أثار جدلا وانقساماً حاداً حوله هذا العام، بل هو أشبه بالإنفجار وسط عامٍ سينمائي كان شبه ساكن وهاديء إلحدٍّ ما، إذ لم يشهد أي فيلم آخر هذا الشكل من الاهتمام العالمي، فهو من جهة جمع عدداً لافتاً من النجوم الذي رفعوا سقف التوقعات والحماس، ومن جهة أخرى سدّد سهاماً من السخرية السوداء إلى واقع الشراهة السياسية والاقتصادية، وإلى إيقاع حياتنا كبشر وثقافتنا السائدة حالياً، التي تتفاعل مع الترندات والميمز وأخبار المشاهير أكثر من القضايا الحقيقية والمصيرية التي تحدث حولها أو غارقة فيها، ثقافة الهروب الدائم من الواقع، والبحث عن من يجعل أخبار الكوارث والمآسي مشرقة وخفيفة على السمع أو بعيدة عنه، مثل ما ورد على لسان مذيعي البرنامج الصباحي الأميركي في الفيلم.
المخرج “آدم ماكاي” يأخذ نماذج من سينما الكوراث مثل فيلم Armageddon لا ليسخر منها كحال أفلام المحاكاة الكوميدية أو ألـ Parody (كـ Airplane,Scary movies,Naked gun) وإنما ليكون هجاءً ونقداً على غرار فيلم “دكتور سترانجلوف” لكوبريك و”نتوورك” لسيدني لوميت و“مارس أتاكس” لتيم بورتون، والتي بعضُ جيناتها حاضرة في هذا الفيلم ضمن قوالب حوارية ومواقف شبيهة بأسلوب برنامج SNL، حيث كان المخرج “ماكاي” جزءاً أساسياً من فريقه ولسنوات طويلة، وهو هنا نجح في صياغتها ضمن سياق سينمائي جيد ومتماسك فشلت فيه أفلام كوميدية أخرى ظهرت هذا العام وحاولت اللعب على نفس المنوال، فكانت عبارة عن مجرد سكيتشيهات تلفزيونية سيئة التنفيذ وسطحية وركيكة الكتابة ، في مقدمتها كان فيلم إيدي مورفي Coming 2 America.
شخصيات الفيلم الكاريكاتورية لم تقع في التهريج أو التفاهة. نجوم هذا الفيلم أعطوا لها حضورا من أفضل ما يكون، بدءاً بليوناردو ديكابريو الذي في نظري قدّم دوراً مهماً في مسيرته بعد أن غرق من بداياته في الأدوار الدرامية الطابع، ووصل إلى أقصى الممكن مع فيلم “العائد”، وبعده أصبح من الضروري التنويع وإبراز مساحات جديدة في موهبته. البراعة في الأداء الكوميدي لم تكن بارزة سابقاً عند ديكابريو، وبعض التجارب مع سبيلبرغ وفيلم سكورسيزي” ذئب وول ستريت” لم تكن مؤشراً قوياً، وكذلك فيلم تارانتينو “حدث ذات مرة في هوليوود”. هذا الفيلم جعلني أتطلع جداً لمشاهدة ليوناردو في المزيد من الأدوار الكوميدية وأيضاً الشريرة، فدوره في جانغو كان أيضاً مفاجئاً ومدهشاً.

الفيلم شهد عودة موفقة لجينيفر لورانس بعد سنتين من الغياب، وميريل ستريب متمكنة كعادتها. أما كايت بلانشيت فأداؤها الملفت أبرز تفاصيل شخصية المذيعة وروحها دون الحاجة لمزيد من الحوارات. شخصية الملياردير التي أداها الممثل مارك رايلنس هي توليفة لنجوم هذا العصر الرقمي مثل جيف بيزوس،إيلون ماسك، ومارك زوكربيرغ مع إحالة وتحية لشخصية “دكتور سترانجلوف” السايكوباثية. شخصية تيموثي شالاميه كانت ديكوراً زائداً، أما الممثل جوناه هيل فهو الأقل تألقاً.
فيلم “لا تنظر إلى السماء” فيلم جيد من الفكرة إلى التنفيذ رغم وقته الطويل نسبياً . عناصر فنية عدة بينها الكتابة، أستطاعت تجنيب هذا الفيلم سخافة أن يكون مجرد خطاب تهويلي وعظي مباشر في أجندة ليوناردو ديكابريو وحملته التوعوية ضد اخطار التبدل المناخي والاحتباس الحراري، أو بروباغندا أخرى ضد عهد الرئيس ترامب وأنصاره، صحيح أنه هناك اسقاطات واضحة عليه وعلى عهده واقتباسات من خطاباته، إلا ان هذا الفيلم يسدّد سهامه صوب الجميع، فالديموقراطيون وصحافتهم أيضاً غير بريئين من لعبة المصالح الضيقة التي تأتي على حساب كل شيء.
التقييم: 8/10 النيزك الذي يهرول صوب الارض ويهددها بالفناء، هو الكارثة المناخية التي تهرول صوبنا الآن ولا نلتفت إليها كثيراً رغم كوارثها الواضحة. قرار الحروب يتخذونه في ليلة قبل ضحاها وقبل أي مؤتمر أو قمة، والقرار لوقف ظواهر فناء الحياة على هذا الكوكب لم تنجح فيه عشرات قمم المناخ، وهذا الفيلم لن ينجح أيضاً، لكنه يبقى صرخة ساخرة.

خليل حنون