مراجعة فيلم TENET لكريستوفر نولان

هناك احتفاءٌ خاصٌ بأفلام نولان. أي فيلم يُخرِجُهُ هو حدثٌ سينمائي. نولان من ثُلّةٍ من المخرجين القلائل الذين يُخرِجونَ الموسمَ السينمائي من رتابته مع لحظة الإعلان عن أفلامهم الجديدة، فتشْخَصُ الأبصارُ نحوها، ويعلو الشغف والحماس وسقف التوقعات مع اقتراب موعد العرض، ونادراً ما يخيبون جمهورهم. ونولان أيضاً هو حالةٌ خاصةٌ وَسَطَ هذه الثُلّة المبدعة أو بالأحرى هو نجمها، يحظى بشعبيةٍ أكبرَ من نجوم أفلامه، وأجرُه أعلى من أي نجمٍ في هوليوود (٢٠ مليون دولار إضافة إلى ٢٠ في المئة من الأرباح). نولان هو نجم المرحلة مثل حال هيتشكوك في الخمسينات وكوبريك في الستينات والسبعينات وسبيلبرغ في الثمانينات والتسعينات.

وبعد هذه المقدمة الإحتفائية، حان وقت التشمير عن السواعد للخوض في فيلمه الجديد Tenet وسنبدأ بمشاكل الفيلم وعيوبه:

المشكلة الأساسية هو حالة الغموض الدائمة التي يضع نولان فيها المشاهد وبشكل تصاعدي مع بداية الفيلم من خلال إيقاع متسارع للحدث دون مساحات لأخذ النفس، ودون ترك مجال لتجميع الأسئلة المتناثرة وإيجاد إجابات لها، وهنا يضع المشاهد في حالة إرهاق أكثر من كونها حالة ارتباك. فالخط العام للقصة يتضح مع تطورها والغموض يبقى في الهوامش، لكن المسافة بينك وبين ما يحدث على الشاشة تتسع شيئاً فشيئاً لتفقد متعة متابعة أحجيات الفيلم ولا تعود منغمساً فيها ومعنياً بها كثيراً، وبهذا تتحول إلى متفرج يتابع لينتظر نهاية الفيلم والخلاصة.
خلال الفيلم تقول إحدى الشخصيات “ أننا لا يجب أن نفهم ما يدور وإنما علينا الشعور به” حتى الشعور لا يترك له نولان مجالا في الكتابة ولا في التنفيذ، فلا يوجد ملامح درامية ونفسية كافية لتولد مشاعر تجاه شخصيات الفيلم وبالتالي الحدث والصراعات، لكن باستطاعتنا استثناء شخصية الممثلة إليزابيث ديبيكي وبشكل محدود.

من علل الفيلم هو الشعور بوجود كليشيهات في بعض مآلات القصة والشخصيات وخاصة شرير الفيلم. هذا عدا الأنماط النولانية المتكررة في بنية معالجته وتناوله لفكرة الزمن وضمن ثلاثية عوّدنا عليها وصارت متوقعة، فدائماً لدى نولان ثلاثية الزمن للحدث الدائر على الشاشة. مثلاً في إنسبشن كان لدينا ثلاثة أزمنة داخل بعضها في طبقات الحلم. وفي دانكيرك الحدث يتوزع على أزمنة ثلاثة، وكذلك في انترستيلر وشيئاً بسيطاً منها في بريستيج وانسومنيا. وهو إن كان يقوم بالتنويع فيها، لكن هنا الفيلم يوحي بأن نولان في مأزق مستقبلاً إن بقي أسير هذه الحركة أو استنفذ سبل تقديمها بقالب مختلف ومثير.

حرفة نولان الإخراجية لا غبار عليها، ففي تنفيذ مشاهده يعرف أين يضع كاميرته ويحركها ليتورط المتفرج ومن أول لقطة. شريطه الصوتي جزء من هوية الحدث داخل الفيلم مع ما يشمل من موسيقى ومؤثرات. الممثلون امتلكوا الحضور اللازم لكن السيناريو لم يمنحهم مساحات كبيرة للأداء، والشخصيات بقيت دون أبعاد مساعدة.

رغم عيوب الفيلم، نولان بحرفته وأفكاره يسعى لتقديم الجديد والمختلف وهذا من إيجابياته. هنا نجح في الأفكار والقصة وحرفيته الفنية الإخراجية، لكنه فشل في وضع نسق متكامل لا يترك المشاهد في غموض وارباك وإرهاق يدفعونه إلى مشاهدة ثانية قد لا تفيده جمالياً. فالأصل في الأفلام أن تُفهم من المرة الأولى، وإعادة المشاهدة تكون لغاية الاستمتاع أكثر بها وبمحتواها، أو لاكتشاف عناصر فنية وابداعية لم يجري التركيز عليها.

التقييم النهائي 6/10 مع إحترامي لجمهور نولان بالطبع.

خليل حنون

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s