مراجعة فيلم Greyhound

يبدو هذا الفيلم وكأنه حلقة من مسلسل، فإذا حاسبناه على هذا الأساس تحول قسم من سيئاته إلى حسنات، ومنها الشخصيات التي بحاجة لحضور أرسخ درامياً يعطيها ملامح كافية لتنشأ علاقة بينها وبين المتفرج. هناك عناية بسيطة بالشخصية الرئيسية التي يؤديها توم هانكس مع اتكال كبير على حضوره وأدائه. معظم الجنود يبدون وكأنهم جندي واحد، لا تفاصيل في شخصياتهم تجعل جندياً يتميز عن آخر. لو كان حلقة تلفزيونية لوجدنا في سياق الحلقات السابقة ما يسد حاجة المشاهد بأن يكون أقرب إلى الحدث ومعني بأشخاصه أكثر. مدة الفيلم القصيرة (حوالي ٩٠ دقيقة) مع ما فيها من تكرار، كانت تسمح بزيادة المدة لإعطاء مساحات لشخصيات الفيلم لتتبلور، لكن صنّاع الفيلم أحبوا الاتكال أو التركيز على أحداث المعركة والمطاردة القاتلة بين الغواصات الألمانية والقافلة الأميركية التي تتجه صوب بريطانيا للدعم في أجواء الحرب العالمية الثانية. 

هناك تكرار واضح في المواجهات داخل الفيلم، وشاهدنا نفس الموقف يعاد ويعاد بين سفينة توم هانكس والغواصات، وحاولت الموسيقى التغطية على هذا الضعف ونجحت إلى حد ما.  المفارقة أن رغم المشاكل التي يحملها الفيلم إلا أنه يبقى مثيراً للاهتمام، وخاصة مع إبرازه لتفاصيل المواجهات الدامية بمصطلحاتها الحربية وتفاصيلها اللوجستية، وهذا أمر قلما شاهدناه في هذا النوع من الأفلام، حيث استطاع حشر أنفاسنا في البعض منها وخلق حالة من التوتر والاندماج ولو إلى حين.

التقييم كفيلم 6\10 و إذا كان حلقة تلفزيونية 8\10، توم هانكس أنتج سابقاً مسلسلين عن الحرب العالمية الثانية وهما Band of Brothers و The Pacific يستحقان المشاهدة والاكتشاف ويبدو أنه عند كتابته لسيناريو الفيلم كانا في باله.

خليل حنون

الكاميرا ليس أصلها “قُمْرَة” ابن الهيثم كما نعتقد!

بقلم خليل حنون

انتشرت في السنوات الأخيرة معلومة خاطئة تفيد بأن كلمة “كاميرا” أصلها كلمة “قُمْرَة” التي أطلقها العالِمُ العربي والفيزيائي الأشهر “ابن الهيثم” على تجاربه العلمية التي أدت إلى اختراع التصوير، وبأن الغربيين أطلقوا كلمة camera اشتقاقاً من”قُمْرَة” ابن الهيثم. والذي ساهم في تعزيز انتشـار “صواب” هذه المعلومة هو الإعلامي أحمد الشقيري الذي ذكرها في أحد حلقات برنامجه “خواطر”، وشاركت مواقع التواصل الاجتماعي والانترنت في نشرها بشكل واسع وترسيخها كحقيقة.

الإعلامي اللامع أحمد الشقيري لم يتقصد نشر معلومة خاطئة من خلال برنامجه المهم، وهو مشهود له بالتدقيق والتوثيق لما تناوله في “خواطر” وفي النهاية الخطأ وارد ولا أحد معصوم عنه (والشقيري وعاد ووضح الأمر في الحلقة الأولى من برنامجه “قمرة”) لكنَّ الخطأ كان قد أوقع ضرراً مع انتشار هذه المعلومة الواسع وتسللها إلى كتب ومراجع ومناهج دراسية.

وتوضيح خطأ المعلومة وأصل الكلمة في هذه النقاط الثلاث:

أولاً: وردت كلمة “قُمْرَة” بضم القاف في جميع معاجم اللغة العربية والقواميس الأولى بمعنى شدة البياض، أو بياض ضارب للخُضْرة، وقيل أنها صفة للقمر في ليلته الثالثة. ولم ترد أبداً بمعنى غرفة أو حجرة.

لكن في المعاجم الحديثة وردت “قَمْرَة” بفتح القاف، ويشرح كِتابُ “المنجد في اللغة” بأنها كلمة معرّبة من كلمة “camera” الإيطالية ومعناها المخدع في السفينة عند الملّاحين أو الغرفة؛ وتشبهها في الألمانية كلمة Kammer التي تحمل ذات الدلالة.

ثانياً: ابن الهيثم نفسه لم يستخدم أبداً كلمة “قُمْرَة” وخاصة في كتابه “المناظر” الذي شرح فيه تجاربه الضوئية في المسألتين الثالثة والسادسة وإنما استخدم الحجرة أو المواضع المظلمة.

ثالثاً: ما وقع بين يدي من كتب وموسوعات عربية ومقالات، تناولت موضوع العلوم عند العرب والمسلمين، أو تلك التي تخصصت في ابن الهيثم وطُبِعَتْ قبل ظهور مواقع التواصل، لا تشير أبداً إلى العلاقة بين كلمة كاميرا و قُمْرَة، بل لم تذكر كلمة “قُمْرَة” بتاتاً في حديثها عن مكتشفات وإنجازات ابن الهيثم أو غيره.

إذاً الكاميـرا هي نتيجة جهد بشري طويل، قائم على اكتاف علم البصريّات الذي أسسه ابن الهيثم والذي اكتشف الطريق إليها، ولكنهــا ككلمة ومصطلح ليست مُستوحاة من كلمة قُمْرَة!

لكن إذا أجرينا الآن بحثاً على موقع غوغل سنجد مدى الانتشار الفادح للمعلومة الخاطئة وتغلغلها. فـكلمة “قُمْرَة” أصبحت متجراً لبيع كاميرات التصوير، وملتقى ومنتدى للمصورين، كما تحولت إلى مهرجان سينمائي ودخلت في كتب وموسوعات مهمة تتناول اختراعات العرب وعلومهم، وبعضها أشرف عليه مختصون وأكاديميون.

يبدو أن وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد باتوا يشكلون خطراً أكبر وأسرع على المعلومة والمفاهيم، وهناك صور ومعلومات مفبركة يتم تداولها يومياً تتحول مع الوقت إلى واقع..بل وتصبح “المعلومة التي لا بدّ منها”، والتي لا يمكن النقاش فيها، مثل قُمْرتنا هذه تماماً!

مصادر :

  • راجع مادة “قُمْرَة” أو “قَمَر” في لسان العرب، مختار الصحاح، المصباح المنير، تاج العروس وغيرهم.
  • راجع أيضاً كتاب محيط المحيط لبطرس البستاني، وكتاب العربية العالية لعارف حجاوي.

راجع أيضاً: تاريخ العلوم عند العرب لعمر فروخ، موسوعة تاريخ العلوم العربية (المؤسسة العربية للدراسات والنشر)، أضواء على تاريخ العلوم عند المسلمين لمحمد حسين محاسنة، تراث العرب العلمي لقدري طوقان وأثر العلماء المسلمين لأحمد علي الملا.