لعبت السينما دوراً سلبياً في ترسيخ الصورة الشريرة لـ (زوجة الأب) في أذهان العديد من الأجيال، وما زالت حتى اليوم لها أثر عميق في وعينا الطفولي وفي تشكيل العلاقات الاجتماعية.
شركة “ديزني” كانت المساهم الرئيس في وضع (زوجة الأب) في دائرة الشر الخالص، من خلال أفلام الرسوم المتحركة الأولى التي أنتجتها مثل “بياض الثلج” و “سندريلا” ولاحقاً أفلام مثل “فخ الأهل” Parent trap الذي أنتجته مرتين (١٩٦٨ و ١٩٩٨) وفيلم “إيللا المسحورة” ELLA ENCHANTED وغيرهم. لكن “ديزني” لا تتحمل المسؤولية كاملة، فأصابع الإتهام تتجه صوب القصص الشعبية أو الـ Fairy Tales التي اقتبست منها ديزني. هذه القصص كُتبت في ظل أوضاع ومفاهيم القرون الوسطى نَتَجَ عنها هذه الصورة المريعة لـ (زوجة الأب) والتي كانت أحياناً أسوأ وأقسى من صورة الساحرة الشمطاء.
كان الحمل والولادة في تلك العصور من الأسباب الرئيسية لوفاة الزوجة أو الأم، مما جعل (زوجة الأب) حالة حتمية حاضرة ومنتشرة ينظر لها الأولاد بعين الريبة والخوف والكره، فهي إما تريد قتلهم، أو حبسهم وقمعهم، أو بأفضل الأحوال تهملهم وتقوم بتفضيل أبنائها عليهم في كل شيء.
ومما زاد صورتَها شيطنةً أن الأم كان مفهومها مقدساً وصورتها يجب أن تبقى مثالية وطاهرة، لذا جمع مؤلفو القصص الشعبية جميع الصفات السيئة التي تحملها بعض الأمهات ووضعوها في شخصية (زوجة الأب).
في المقابل، لم تحظ صورة (زوج الأم) بمثل هذه السلبية في المخيلة، لأن الجانب الخطير من (زوج الأم) كمعتدٍ على الأولاد وخاصة البنات لا نجدها في أفلام العائلة، وإنما في أفلام الدراما المخصصة لمراحل عمرية أكبر، لذلك (زوج الأب) لم يترك نفس الأثر في مخيلتنا الأولى الطرية، ولم يكن له مكانة في الدرك الأسفل من هواجسنا.

هناك أفلام أبرزت صورة إيجابية لـ (زوجة الأب)، ووضعتها في إطار من التفاهم والثقة كشرطين ضروريين لنجاح هذه العلاقة، وفي مقدمة هذه الأفلام يأتي “صوت الموسيقى” Sound of music الذي حاز نجاحاً أسطورياً ومعه أصبح يحلم كل يتيم ويتيمة بـ (زوجة أب) مثل “ماريا فون تراب” الشخصية التي أدتها بعذوبة الممثلة “جولي أندروز”.

فيلم آخر مشى على خطى “صوت الموسيقى” وبقصة متقاربة هو “ناني ماكفي” الممتع و الذي أظهر بالمقارنة الفارق بين (زوجة الأب) الكريهة والأخرى المحبوبة والطيبة، لكنه بقي في إطار القصصة الشعبية الخيالية الـ Fairy Tales ولم يخرج منها صوب معالجة جدية مثل فيلم Stepmom “زوجة الأب” الذي يُعد من أبرز الأفلام التي لامست الواقع وعالجت بجدية العلاقات المتشعبة والصراعات التي تنشأ ضمن العائلة الواحدة مع وجود (زوجة أب) تؤدي دورها “جوليا روبرتس” التي تحاول وبصعوبة نسج علاقة سليمة ودودة مع أولاد زوجها، فيما أمهم المطلقة الممثلة “سوزان ساراندون” تتابع عن كثب وتحاول رغم كل شيء أن تلعب دوراً إيجابياً مع جميع الأطراف لتضمن حياة سليمة وسلسة لولديها.

في السينما العربية حازت شخصية (زوجة الأب) تقريباً على نفس الصورة النمطية الموجودة في الغرب، ونافستها في الشر والخبث شخصيتان: الأولى شخصية “الحماة” التي كانت كثيرا ما تأخذ طابعاً فكاهياً. والثانية “زوجة الأخ أو زوجة العم” التي نافست بقوة بل وتفوقت بشرّها أحياناً على (زوجة الأب) لأنها مرتبطة بصراع درامي تتميز به مسلسلاتنا وأفلامنا وهو الصراع الناشيء عن قضية “الميراث” فزوجة الأخ أو “زوجة العم” تسعى دائماً إما لاستبعاد أخوة زوجها، أو لحرمان أطفال أخيه اليتامى.
شخصية “زوجة الأب” تعكس جانباً من تأثير السينما على حياتنا الإجتماعية، وهي تحتاج إلى معالجات وتنويعات درامية تخرجها من الصورة النمطية التي صاغها خوفنا البدائي الطفولي. الخوف من أن تأتي إمرأة غريبة تقضي على آخر أمل ورجاء في أن يلتئم شمل الأهل المنفصلين، إمرأة مثل النقطة في آخر السطر، أو الكلمة التي تظهر في آخر الفيلم العائلي.
فكرة واحدة بشأن "من أشرار السينما: “زوجة الأب”"